لسّلام عليكم
سوف تدهشون إذا قلتُ لكم أن كلّ من عاش في هذه الأرض الطيّبة، أرض بلدنا الطّيبة، و منذ أن خلقها الله إلى الذين هم عند ربّهم بالأمس القريب، يغبطوننا عن اللّحظة التّاريخية التي منّ الله بها علينا نحن الأحياء اليوم، بأن جعلنا نُعايش حدثا لم يعشه أجدادنا و أجداد أجدادنا إلى أبينا آدم في رقعة الأرض هذه، التي نُسمّيها وطن … حدث جللٌ في عظمته، يبعث على الفخر في محطّاته، يدلّ على رُقيٍّ بشريٍّ اجتماعيٍّ، وصل إليه مجتمعنا الصّغير هذا، الذي يُسمّى و بكل غرور، المجتمع التّونسي
و لعلّكم فهمتم قصدي من هذا الحدث، و عرفتم عن أيّ حدث أتكلّم … هو انتخاب المجلس التأسيسيّ الذي نحن قادمون عليه في آخر هذا الشهر إن شاء الله، و الذي سيسطّر شعبنا العظيم بتحقيقه، فصلا من فصول انتقاله نحو الحضارة و الّثقافة و العلم و التّقدم، بعد أن سطّر بانتفاضته على جلاّده المجرمِ، فصلا من فصول البطولة و الّشّهادة و القيادة …قيادة منطقة أوّلا… و قيادة فترة زمنيّة ثانيًا… و قيادة مجموعة ديمغرافيّة تمتدّ على كامل أصقاع الأرض نحو الانعتاق من الديكتاتوريّة و من الاستبداد نحو الحريّة و حكم الشّعب لنفسه بنفسه دون سوط أو خازوق أو جلاّد ثالثا
وانتخاب مجلسنا التّأسيسي هذا، له أهميّة قصوى و كبيرة في حياة رقعة جلد الثّور و شعبها و أقصد تونس حسب أسطورة الفينقييّن، أهميّة لم و لن ينافسه عليها حدث آخر لا في القديم و لا في ما سيأتي من العصور … و لعــــــلّنا نفهم هذه الأهميّة و المكانة إذا ما حلّـــلنا أبعاد الحدث و خلفياته و آثاره، و التي أراها تتلخّص في النّقاط التّالية
أوّلها فكرة انتخاب شعبنا لمجموعة تمثّله لصياغة دستور يسير على وقع بنوده في مستقبله انتخابا حرّا – و أحسبه كذلك إلى حدّ السّاعة – و قائما على الضوابط العالميّة المعروفة عن مثل هذه الأحداث، في واقع إقليمي لم يذق طعم هذه الدّيمقراطية منذ عصور، فكان الحدث بمكرمتين : مكرمة الرِّيادة و مكرمة الدّيمقراطيّة
وثانيها أنّ فكرة المجلس التأسيسيّ بمفهومها الدّلالي و المعجمي، لم تكن قد قامت أبدا في بلدنا سابقا، و أذكّركم هنا بأنّ المجلس التأسيسي الذي سبق هذا المقبلين عليه، كان قد انقلب فيه الزّعيم بورقيبة مع رفاقه على الأمر الملكي الذي تشكّل بموجبه، و القاضي “بتشكيل مجلس يصوغ دستور لممتلكتنا” و النّصّ هنا كما ورد في الأمر العليّ الذي صدر من الباي آنذاك ، و هو ما يعتبره فقهاء القانون و الدّستور قدحا في المجلس، و بالتالي قدحا فيما صدر عنه لتجاوز الأمر الذي تشكّل عن أثره، هذا علاوة على أنّ ما يُسمّى بالمجلس التأسيسي سنة 1956 قد أسّس للاستبداد في بلدنا، أمّا مجلسنا الذي عليه نتحدّث، فهو حرّ قبل أن يولد، له ممن الصّلاحيات ما لم تكن لغيره، و حتّى تلك الوثائق و التّوافقات للفرقاء السّياسين التّي نسمع عنها كل يوم هذه الأيام، لا تعدو أن تكون التزاما أدبيّا لا يلزم المجلس عند تشكّله في شيء
وثالثها أن هذا المجلس سيحكمنا أيّام انعقاده التي قد تطول أو تقصر، و يذلك سوف يحكمنا لأوّل مرّة في تاريخــــــنا القديم و الحديث و المعاصر، من يحمل شرعيّة تمثيليّة انتخابيّة من الشّعب، و تفويضا منه لا من غيره ، و هنا تكمن فكرة القطع مع الاستبداد، فنحن قد وصلنا بهذه المرحلة إلى درجة من النُّضج الاجتماعي و السياسي تجعلنا لا نرضى بالتّوافق و لا نخضع بالاستبداد، و لا نركع للاستعمار، و إنّما نحو الدّيمقراطية الحقيقيّة نسير، و كلّنا يتعلّم المسير، و الطّريق أصبح أمامنا قصير
و من هنا أردت تذكيركم بأهميّة هذه المحطّة التاريخيّة الانتخابيّة التّي نحن مقدمون عليها، و التي نتحمّل كلّنا دون استثناء المسؤوليّة على نجاحها تنظيميّا و تمثيليّا، فعيب علينا إذا فشلت، و عيب علينا إذا ما صعد منا أرذالنا، بتعلّة مالٍ أو جهلٍ أو نسيان
و ها أنا اليوم انتظر مع المنتظرين، مستحضرا كلمة كنت أقرأها للخالد ” فرحات حشاد” دون إدراك المشاعر التي كانت حتما خلفها، ترتعد فرائسي عند النّطق بها ، و يقشعرّ جسمي عند البوح بها ، لما تعكسه من صدق و سمُوّ في المشاعر بين فرد و جماعة، هي أحبّك يا شعب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire